رسالة التحذير

  • The subscription service is currently unavailable. Please try again later.
  • The subscription service is currently unavailable. Please try again later.

نشأة و تطور القانون التنظيمي للمالية

شهدت فترة الحماية الفرنسية على المغرب بزوغ المنظومة المغربية للمالية العمومية، و التي أضفى عليها دستور 1962 طابعا أكثر عصرية و حداثة. و يثبت التاريخ القانوني والمؤسساتي المغربي وجود علاقة ترابطية بين المراجعات الدستورية من جهة و إصلاح القوانين التنظيمية المؤطرة للميزانية من جهة أخرى، بحيث ينشأ هذا الترابط جراء تأثير التحولات و التغيرات في السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على تطور القوانين التنظيمية للمالية.

+

الإطار القانوني خلال فترة الحماية و غداة الاستقلال

 

خضع إعداد وتنفيذ الميزانية خلال هذه الفترة لنصين قانونيين أساسيين، و يتعلق الأمر ب:

  • الظهير الشريف الصادر في 18 شعبان 1335 الموافق لـ 9 يونيو 1917 بسن نظام للمحاسبة العمومية. و الذي يمثل أول نص قانوني يهم تأطير المالية العمومية اعتمده المغرب ؛
  • الظهير الشريف رقم 1.58.041 الصادر في 20 محرم 1378 الموافق لـ 6 غشت 1958 بشأن سن نظام للمحاسبة العمومية للمملكة، الذي كرس مفهوم المالية العمومية للدولة المغربية بصفتها دولة مستقلة.
و لم يقتصر هذين الظهيرين على الجوانب الميزانياتية فقط. بل امتدا لمجالي المحاسبة العمومية و نظام تفويت الصفقات العمومية. قبل سنة 1962، و في ظل غياب مجلس تشريعي يعهد له بدراسة و التصويت على ميزانية الدولة، تمت المصادقة على ميزانية المغرب المستقل من طرف مجلس الديوان و مجلس الوزراء.

+

القانون التنظيمي الأول لقانون المالية 1963

 

شكل صدور أول دستور للمملكة بتاريخ 14 دجنبر 1962 مستهلا لسلسلة من الإصلاحات الأساسية على مستوى الإطار القانوني المؤطر لميزانية الدولة.
و كرس الفصل 50 من هذا النص الدستوري مبدأ الترخيص الميزانياتي الذي يضطلع به البرلمان عبر تصويته على قانون المالية. و شكلت ميزانية سنة 1963 فرصة لتفعيل مبدأ الترخيص البرلماني مع الحرص على ترابط تطوير الإطار القانوني للمالية العمومية والنهوض بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
من ناحية أخرى، شكل دستور 1962 مرجعا لاعتماد عدد من النصوص القانونية التي تهم مالية الدولة، و يتعلق الأمر ب:
  • الظهير الشريف رقم 1.63.326 الصادر في 21 جمادى الثانية 1383 (9 نونبر 1963) بشأن القانون التنظيمي للمالية. و الذي يعتبر بمثابة أول دستور مالي للدولة.  و الذي كرس الترابط بين قوانين المالية و المخططات المعتمدة من طرف البرلمان، و الفصل بين  القواعد والمبادئ الميزانياتية والمالية و تلك المتعلقة بالمحاسبة العامة و  نظام الصفقات العمومية.
  • مرسوم ملكي رقم 331.66 بتاريخ 10 محرم 1387 (21 أبريل 1967) بتطبيق مقتضيات القانون التنظيمي للمالية المتعلق بتقديم قوانين المالية؛
  • مرسوم رقم 512. 79. 2 بتاريخ 26 من جمادى الآخرة 1400 ( 12 مايو 1980 ) بتغيير المرسوم الملكي رقم 66. 330 الصادر في 10 محرم 1387 (21 أبريل 1967) بسن نظام عام للمحاسبة العمومية.
 

+

القوانين التنظيمية للمالية لسنتي 1970-1972

 

نجم عن إعلان حالة الاستثناء سنة 1965 حل البرلمان، مما نتج عنه عودة ظهور الميزانيات بدون ترخيص برلماني خلال هذه الفترة. 
و تمخض عن  اعتماد دساتير 1970 و 1972، اعتماد الظهائر الشريفة رقم 1.70.207 بتاريخ فاتح شعبان 1390 (3 أكتوبر 1970) بمثابة القانون التنظيمي للمالية  و رقم 1.72.260 بتاريخ 9 شعبان 1392 ( 18 شتنبر 1972) بمثابة القانون التنظيمي للمالية. التي استحدثت آليات جديدة للتصويت على مشروع قانون المالية، و كرست قانون تصفية موحد و نهائي. 
بصفة عامة، تدارك القانون التنظيمي للمالية  لسنة 1970 الفراغ القانوني المتعلق بمآل المداخيل في حالة  رفض أو عدم اعتماد الميزانية في الآجال القانونية. و بخصوص القانون التنظيمي للمالية لسنة 1970، تم  تحديد السنة الميزانياتية بخلاف السنة المدنية بحيث تبتدأ يوم فاتح يوليوز و تنتهي يوم 30 يونيو.
و تجدر الإشارة إلى كون اعتماد القانونين التنظيميين المذكورين و كذا التعديلات التي لحقتهما، تم في غياب مؤسسة برلمانية.
 

+

القانون التنظيمي لقانون للمالية لسنة 1998 

 

عرفت الساحة المؤسساتية و السياسية الوطنية خلال تسعينيات القرن الماضي دينامية منبعثة من التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.    
وقد تمخض عنه اعتماد دستور 7 اكتوبر 1996 و كذا نظام البرلمان من غرفتين. و تتعلق أهم التحولات ب:
 
  • أخذ قرار المجلس الدستوري بتاريخ 6 محرم 1412 (19 يونيو 1991)، بخصوص الصفة التشريعية أو التنظيمية لبعض مقتضيات القانون التنظيمي للمالية و المرسوم الملكي المتعلق بتطبيق مقتضيات القانون التنظيمي للمالية المتعلق بتقديم قوانين المالية، بعين الاعتبار؛
  • ارتقاء دستور سنة 1996بالمجلس الأعلى للحسابات إلى مرتبة مؤسسة دستورية؛
  • اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوربي؛
  • الحفاظ على مكتسبات برنامج التقويم الهيكلي؛
  • تعزيز تحرير الاقتصاد وتطوير عمليات الخوصصة؛
  • المشاورات السياسية، على ضوء تشكيل حكومة التناوب.
و لقد مكن القانون التنظيمي لقانون للمالية  لسنة 1998 من جعل المقتضيات القانونية المؤطرة لميزانية الدولة تتلاءم مع مقتضيات دستور 1996 ، لاسيما تلك المتعلقة بالتخطيط و عودة النظام البرلماني من غرفتين، مع مراعاة عدم القطع مع النهج الميزانياتي المعمول به منذ الاستقلال. 
و  لقد أسهم البرلمان في إعداد القانون التنظيمي رقم 7.98  لقانون المالية  الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.98.138 صادر في 7 شعبان 1419(26 نوفمبر 1998)
كما و قع تغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 7.98 بالقانون التنظيمي رقم 14.00 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.00.195 بتاريخ 14 من محرم 1421 (19 أبريل 2000)،   و الذي تم بموجبه إحداث الفصل الثالث المكرر المتعلق بمصالح الدولة المسيرة بصورة مستقلة.  
و تتعلق أهم الأحكام الجديدة للقانون التنظيمي رقم 7.98 لقانون المالية كما و قع تغييره وتتميمه ب:
 
  • عودة مفهوم المخطط عقب تأهيله دستوريا و تعوضه للبرنامج الاقتصادي والاجتماعي؛
  • التكيف مع سياق البرلمان ذو الغرفتين فيما يخص إيداع و دراسة مشروع قانون المالية و كذا مسطرة التصويت عليه؛
  • حذف الميزانيات الملحقة؛
  • إدراج مصالح الدولة المسيرة بصورة مستقلة في قانون المالية للسنة؛
  • تقليص عدد أصناف الحسابات الخصوصية لخزينة من تسعة إلى ستة أصناف؛
  • توسيع صلاحيات الحكومة بشأن فتح اعتمادات إضافية خلال السنة " في حالة الاستعجال والضرورة الملحة " أو  في مقابل الأموال المدفوعة من  قبل أشخاص اعتباريين أو  ذاتيين، في إطار ما يصطلح عليه " أموال المساعدة"، للمساهمة في نفقات ذات مصلحة عامة :
    • إرجاء تنفيذ بعض النفقات؛
    • إعادة نشر المناصب المالية بين الوزارات وتجميد استعمال بعضها.
  • وضع قيود على المبادرات الحكومية فيما يخص ترحيل الاعتمادات من سنة إلى أخرى؛
  • توضيح مبادئ المالية العامة: السنوية، الشمولية ، الوحدة، التخصص الميزانياتي.
 

+

المرحلة التجريبية  للإصلاح الميزانياتي المرتكز على النتائج

 

يندرج الإصلاح الميزانياتي الذي تمت مباشرته بالمغرب،  منذ سنة 2001، في إطار برنامج موسع يهم تحديث الإدارة العمومية. و يروم هذا الإصلاح أساسا تقوية فعالية العمل العمومي، و تحسين جودة الخدمة العمومية، و تعزيز استفادة المواطنين من السياسات العمومية.
و يرتكز هذا الإصلاح على الأسس التالية:
  • شمولية الاعتمادات: و التي تتعلق بتوسيع المسؤولية و المرونة في مجال تدبير الآمرين بالصرف أو الآمرين بالصرف المساعدين للاعتمادات الموضوعة تحت تصرفهم،  في مقابل هيكلة كراساتهم الميزانياتية حول مشاريع مهيكلة، و تحديد أهداف يتم قياس تحقيقها عبر مؤشرات الأداء.
  • اللاتمركز الميزانياتي من خلال التعاقد : باعتباره نمط جديد لتدبير العلاقة بين الإدارة المركزية و مصالحها اللاممركزة. يندرج اللاتمركز  الميزانياتي في إطار تعزيز الفعالية و تقوية الاستقلالية المالية، و يتم أيضا اللاتمركز  الميزانياتي عبر عقود تبرم بين الإدارة المركزية و المصالح اللاممركزة ؛
  • البرمجة المتعددة السنوات: التي تسمح بتدبير ميزانياتي وفق رؤية متعددة السنوات.  و التي تهدف إلى تعزيز الانضباط الميزانياتي العام، بغية  تحسين ظروف إعداد قانون المالية، و توضيح الرؤية الاستراتيجية للسياسات القطاعية؛
  • إصلاح منظومة المراقبة: يتمثل هذا الإصلاح في ملائمة منظومة المراقبة مع منهجية التدبير المرتكز على النتائج، و تمثلت أولى تدابير هذا الاتجاه في التقريب الوظيفي لمراقبة الالتزام بالنفقات والخزينة العامة للمملكة. و إحداث المراقبة التراتبية للنفقة المتمثلة في المراقبة المخففة المطبقة على نفقات المصالح الآمرة بالصرف التي يجب أن تتوفر على نظام داخلي لمراقبة المشروعية، و كذا افتحاص نجاعة الأداء؛
  • الشراكة: يتعلق الأمر بربط علاقة شراكة بين الدولة و الفاعلين المحليين، في منظور يأخذ بعين الاعتبار البعد الترابي، و فقا لمبدأ الحكامة الجيدة.  و يسمح هذا النسق التدبيري بتعزيز التنسيق والتوازن بين الشركاء بغاية  وضع إطار تعاقدي مناسب يرتكز على تقييم النتائج.  
و لقد واكب الإصلاح الميزانياتي المرتكز على النتائج إصلاح النظم المعلوماتية المندمجة للتدبير الميزانياتي، و الذي يستهدف من خلاله تعزيز رقمنة  و تبادل المعلومات الميزانية. و يتعلق الأمر بنظام "e-budget" بالنسبة لمجال البرمجة الميزانياتية،و نظام "(" Gestion Intégrée de la Dépense (GID بالنسبة لمجال النفيذ الميزانياتي.
و قد تمت هذه المرحلة التجريبية في ظل الإطار التشريعي القائم. غير انه تم اتخاد عدد من النصوص التنظيمية :
  • منشور الوزير الأول رقم 2001/12 بتاريخ 25 دجنبر 2001 حول ملاءمة برمجة ميزانية الدولة وتنفيذها مع اللاتركيز؛
  • المرسوم رقم 2676-01-2  (31 ديسمبر2001) المعدل والمتمم للمرسوم  رقم 2.98.401 صادر في 9 محرم 1420 ( 26 أبريل 1999) يتعلق بإعداد وتنفيذ قوانين المالية؛
  • منشور وزير المالية و الخوصصة رقم E/483  (في 28  فبراير 2002) المتعلقة بإجراءات تطبيق المادة 17 مكرر من المرسوم رقم 2676-01-2 ؛
  • منشور الوزير الأول رقم 2003/7  (27 يونيو 2003) حول الشراكة بين الدولة والجمعيات.
  • منشور الوزير الأول رقم 2007/3  (8 فبراير 2007) المصحوب بدليل منهجي حول إطار النفقات على المدى المتوسط؛
  • المرسوم رقم 2.07.1235 صادر في 5 ذي القعدة 1429 (4 نوفمبر 2008)  المتعلق بمراقبة نفقات الدولة.
  • منشور وزير المالية و الخوصصة بتاريخ 17 يناير 2005 المتعلق بملائمة تبويب ميزانية الدولة مع البعد الجهوي.

+

القانون التنظيمي رقم 13-130 لقانون المالية 

 
استلزم اعتماد الدستور الجديد سنة2011 إصلاح القانون التنظيمي رقم 7.98 لقانون المالية ليتماشى مع  المبادئ الدستورية الجديدة المؤطرة للمالية العمومية. 
و يشكل القانون التنظيمي رقم 13-130 لقانون المالية إطارا تشريعيا يرسخ التدابير المتخذة خلال السنوات الأخيرة في مجال تحديث تدبير المالية العمومية. بحيث يكرس مبادئ المحاسبة و التقييم و الشفافية الميزانياتية كما مكن هذا القانون التنظيمي  من توسيع حق تقديم التعديلات البرلمانية.
لذلك، يعتبر القانون التنظيمي رقم 13-130 لقانون المالية تحولا بارزا في سيرورة تدبير المالية العمومية  و تطورا هاما في الممارسة الميزانياتية للإدارة المغربية، إن على المستوى التشريعي أو على مستوى الممارسات والسلوكيات.